انتهى النصف الأول من الولاية الانتدابية لجماعة تازة، دون مكاسب لسكان مدينة حالمة بمستقبل أفضل يخرجها مما هي فيه من غبن وتهميش. ثلاث سنوات توقفت فيها عقارب ساعة أصيبت بعطل تقني فرمل إمكانية التنمية، في انتظار شحن بطارية اشتغالها مع مكتب جديد لجماعة فرقت الانتماءات السياسية اصطفاف أعضائها. “بلوكاج” طويل عاشته الجماعة وتحسست وقعه مدينة مغبونة، وسكان استفاقوا على كابوس صراعات يتمنون ذوبانها فيما تبقى من عمر المجلس، ووضع اليد في اليد لخدمة تازة العالية، وإنصاف سكانها الذين وضعوا ثقتهم في ناجحين في انتخابات، لم يفلحوا في تدبير شؤون مدينة وجماعة.
إعداد: حميد الأبيض (فاس) – تصوير (أحمد العلوي لمراني)
تراهن وجوه جديدة على التسيير وأخرى جربته في عهد الرئيس المعزول، على إخراج مدينة من نفق اللاتنمية في حلم يحتاج تذويب الخلافات وتوحيد الرؤى بعيدا عن اللون السياسي ومصالح قد تفرق لما تشم منها روائح شخصية، سيما أمام ضخامة ملفات تنتظر تفحص أوراقها وإحياء الأمل في نفوس غاضبين على واقع يحتاج تضافر جهود الكل
شد الحبل
راهن التازيون على نخبة سياسية أفرزتها الانتخابات الجماعية الأخيرة، لإخراج مدينتهم من تهميش يغضبهم بعدما نسج خيوطه العنكبوتية على عدة قطاعات، وكان سببا في احتجاجات لم تنمح ظروفها ونتائجها من ذاكرتهم، خاصة ما تعلق منها بأحداث فضاء “الكوشة” الحاضن أفرانا حولت الحجر جيرا، وأحرقت ما تبقى من صبر السكان. حلمهم تبخر باستفاقتهم على كابوس صراعات سياسية محتدمة انشغل بها طيلة نصف الولاية، من انتخبوهم لرسم خارطة طريق تنمية المدينة والإنسان. حبل الود والانسجام بين صفوف الأغلبية المفرزة، انقطع سريعا ولم يدم إلا شهورا أعقبها شد طويل لحبال مصالح سياسية “قطعت” خيطا رفيعا للتقارب السياسي وفي وجهات النظر والرؤية. تمرد النواب على الرئيس بحجة انفراده بالتسيير وسوء تدبير شؤون جماعة ومدينة محتاجين لتضافر جهود الكل. ووجد عبد الواحد المسعودي، برلماني حزب الأصالة والمعاصرة، نفسه في موقف لم يتوقعه ممن وضع يده في أيديهم، مشكلين مكتبا مسيرا بتشكيل سياسي فرضته ظروف فرز أغلبية تمكنه من الجلوس على كرسي الرئاسة. هذا التمرد غير المسبوق دام شهورا طويلة، ووضع “العصا فرويضة” تنمية مدينة عرفت “بلوكاج” حقيقيا شمل دواليب الجماعة وأشغال دوراتها العادية والاستثنائية، وتعثرت معه إمكانيات إطلاق مشاريع تخرجها مما هي فيه من احتياج وغبن، بعدما راهن أهل تازة عليها، حالمين بما لم يتحقق مما سطرته الأحزاب في برامجها الانتخابية. بداية انهيار التحالف لاحت مبكرا دون أن تنفع محاولات رأب صدع ناتج عن اتساع هوة خلاف الرئيس مع نوابه، سيما الاتحاديين ومن التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية الذين اصطفوا مع المعارضة عن سبق إصرار، معلنين حربا شرسة على حليفهم، حتى في أمس حاجته إليهم ، ولو للمصادقة على نقط بسيطة في جدول أعمال دورات المجلس.
لجنة من الداخلية تزيد الطين بلة
سوء طالع وحظ رئيس المجلس “البامي” لم يقتصر على “انتفاضة” أغلبيته ضده، في عز حاجته إلى أعضائها لإنجاح تجربته. وزاد بحلول لجنة من المفتشية العامة بوزارة الداخلية وضعت طريقة تسييره للجماعة، في مجهر التدقيق ورصدت اختلالات وتجاوزات ضمنتها في تقرير تفتيش مفصل وضع على طاولة عامل الإقليم مصطفى المعزة. ملاحظات دونت وطلب من الرئيس الإجابة عنها بشكل مقنع في أجل محدد، قبل لجوء العامل لتوقيفه عن ممارسة مهامه وتقديم طلب لعزله أمام إدارية فاس استجابت له وثبتت إبعاده عن التسيير مع كل ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية، ليجد نفسه خارج مكتب الرئاسة في انتظار مآل ملف التحقيق الجاري في جرائم مالية تحاصره. أغلقت الحدود في وجه الرئيس المعزول، على غرار باب مكتبه بجماعة لم يقض على رأسها إلا نصف ولاية انتدابية، بعدما خذله المتحالف معهم الذين تسابقوا لتشكيل أغلبية سياسية جديدة قادت زميله البرلماني الاستقلالي منير الشنتير للرئاسة مع تشكيل بأطياف سياسية سباعية، تحالفت لقطع الطريق على منافسيه من “البام” و”الزيتونة”. أربعة نواب للرئيس الحالي، من أصل سبعة، شغلوا مهام مماثلة بمجلس عبد الواحد المسعودي المعزول الذي عوض جمال المسعودي، برلماني العدالة والتنمية، المتابع ومتهمين آخرين أمام غرفة الجنايات الابتدائية لجرائم الأموال باستئنافية فاس مقابل مليوني سنتيم كفالة، لأجل جرائم الاختلاس والتبديد والتزوير والمشاركة في ذلك. ويتمنى سكان تازة تجاوز الاختلالات والتجاوزات وتعثرات التنمية في الولاية الماضية ونصف الحالية، ما التزم به الرئيس المنتخب قبل أيام قليلة، وعد بتنزيل البرنامج التنموي لتحقيق تنمية ترابية مندمجة تنعكس على معيشهم اليومي، ما تنتظره فعاليات تازة وأهلها، إضافة إلى أي فرصة للانعتاق من واقع لا يشرف مدينة حالمة بمستقبل أفضل.
تحالفات جديدة
ستة أحزاب ولائحة مستقلة (الكرامة)تحالفت لتشكيل أغلبية ومكتب جديدين تمنوه “منسجما وقادرا على تحمل مسؤولية تدبير المرحلة وإحداث دينامية جديدة لإنجاز مشاريع تنموية والاستجابة لتطلعات السكان”، بتعبير بلاغ سابق لانتخاب الرئيس وتشكيل المكتب بأغلبية تتيح له الاشتغال بمنأى عن أي تدافع قد يفرمل طموح الأغلبية. خمسة أحزاب أخرى دون الأصالة والمعاصرة، شكلت ائتلافا للمعارضة تعهد بدوره بالدفاع عن القضايا التنموية لتازة وتطلعات سكانها، واعدا بمحاربة “كل أساليب الريع والانتهازية والفساد السياسي بالمجلس وخارجه”، فيما المثير بين مكونات الفريقين، وضع حزب النهضة رجلا مع الأغلبية وأخرى مع المعارضة، في موقف سياسي غير مسبوق. انقسام الحزب برره كاتبه الإقليمي بتازة في بيان أعلن فيه المشاركة في تدبير الجماعة بأغلبية منسجمة ومنسقة وببرنامج واضح، ما “سيترجم الفعل السياسي لعمل ملموس سيشهده ويحس به المواطن في حياته اليومية من خلال البرنامج المتفق عليه من قبل الأغلبية”، دون أن يقنع في تبرير موقف من اصطف من حزبه مع المعارضة. “السلوك الإنساني غير محدد بضوابط وقواعد ولا يمكن بالتالي تحليله في إطار علمي محدد”… ذاك كان رده على تناقضات الاختيار بين الأغلبية والمعارضة، فيما أعلنت فدرالية اليسار عدم اصطفافها مع أي من تقاطبات سياسية أفرزها عزل الرئيس السابق وانفراط عقد أغلبيته، معلنا دفاعه عما يضمن للمدينة حقها في التنمية. التنمية شعار مرفوع ومتبن من جميع الأطياف السياسية الممثلة بالمجلس. لكن تفعيله واقعا يبقى بعيد المنال على الأقل راهنا، اللهم إذا شقت “عصا” الأغلبية الجديدة، طريقا سالكة لذلك في ما تبقى من عمر ولاية مضى نصفها في صراعات “ضيقة” أضاقت طريق الانفراج وتركت حلم التنمية منشورا على حبال أوراق الانتظار الطويل.
ترد شامل
“هناك غياب نخب سياسية منتخبة مؤهلة وذات مصداقية في تدبير الشأن العام المحلي، ما نتج عنه ضياع سنوات من الزمن التنموي وتراكم الخيبات والإحباط لدى السكان بسبب الفساد الإداري والمالي الذي عشعش في دواليب التسيير”، يقول فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في بيان له نبش فيه في وضع تازة المزري. الجمعية لم تستسغ أوضاع مختلف القطاعات بالمدينة وتدهورها على كل المستويات والأصعدة، محملة مسؤولية ذلك للأطراف الفاعلة المتدخلة والمسؤولة حسب موقعها واختصاصاتها. ولم تخف استياءها من “التدبير الفاشل للشأن العام” ما انعكس على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان، مطالبة بتفعيل المحاسبة الإدارية والمالية. وتنتظر مكتب الجماعة الجديد مشاكل وملفات ضخمة مفروض انكبابه السريع على إيجاد حلول عاجلة لها، لتجاوز “التدهور الخطير” للأوضاع وتلافيا لمزيد من الاحتقان، خاصة أمام اندلاع شرارة الغضب والاحتجاج على خدمات النقل الحضري، سيما من قبل طلبة الكلية المتعددة التخصصات، والاحتجاج على تدهور خدمات مستشفى ابن باجة. “معاناة يومية يعيشها الطلبة بالكلية والحي، مع التدبير المخزي والمخجل للنقل الحضري”، يؤكد فرع هذه الجمعية الحقوقية في بيان له نبه فيه لاحتقان الوضع وتأجج الاحتجاجات و”صمت الجهات المسؤولة عن هذا المرفق”، مطالبا بالإسراع بحل المشاكل المتراكمة وفتح مفاوضات مع الطلبة حول الموضوع وأرضية ملفهم المطلبي المتنوع. ويستغرب طلبة كلية تازة غياب الرقابة والتدخل الناجع لحل مشاكل نقص عدد الحافلات والخطوط وارتفاع ثمن التذاكر والاشتراكات وغياب محطات للتوقف، سيما في الحي الجامعي وحي الوفاق وقرب ثانوية ابن الياسمين، ما يضاعف معاناتهم اليومية للوصول إلى وجهاتهم…. يتبع