على بعد أيام قليلة من حلول عيد الأضحى أو كما يسمى لدى عامة المغاربة ب “العيد الكبير” تحضر الذاكرة التازية من خلال عزيز التوزاني، مهتم بتاريخ وتراث مدينة تازة، مجموعة من الذكريات الجميلة والعادات والتقاليد التي لازالت معظمها تقاوم الزوال.
فحسب عزيز، يشكل عيد الأضحى المبارك عند العديد من الأسر التازية مناسبة مقدسة زاخرة بالطقوس الاحتفالية، التي تهتدي بتراث السنة النبوية الشريفة، وتضرب عميقا في تقاليد تصنع الخصوصية الثقافية والذاكرة التراثية للتازيين.
ويحرص التازيون خلال هذه المناسبة، التي يتجدد فيها التعبير عن قيم التضامن، الاجتماعية والإنسانية، على الاحتفال بالعيد في جو روحاني يصرفهم عن فلك الانشغالات اليومية والارتباطات المهنية والالتزامات التجارية، حرصا على ممارسة الشعائر الدينية والعادات والطقوس المرتبطة بعيد الأضحى.
وإذا كانت الاسر التازية قد دأبت على الاستعداد بما فيه الكفاية للاحتفال بهذا العيد المبارك، من خلال اعداد واقتناء اللوازم التي تتطلبها هذه المناسبة، كتحضير الحلويات وتزيين البيوت وإعادة تبليطها وغسل الأواني المنزلية، فإن من بين المظاهر التي لا تخلو منها الأيام القليلة التي تسبق هذه المناسبة الدينية هي العمل على شراء كبش العيد وتوفير الأجواء المناسبة ل”استضافته” لبضعة أيام بالبيت، وذلك من خلال تنظيف الفضاء الذي سيأويه ووضع الحناء على رأس الكبش أو ظهره ومشاركة الأطفال فرحة قدوم هذا “الضيف” بوضع قليل من الحناء على أياديهم، بالإضافة إلى تكفل النساء بتحضير مستلزمات المطبخ، خاصة أدوات الشواء والفحم والتوابل . كما يعتبر يوم العيد فرصة مواتية لإحياء واستحضار بعض العادات والتقاليد المتوارثة والتي سارت على دربها الأسر بالمدينة العتيقة لتازة، وتوحد غالبية الأسر في التعامل مع العيد بمفهوم التضامن والتكافل والتآخي داخل الأسرة، وايضا داخل دروب وأزقة تازة العليا، مشيرا الى أن اليوم الأول من أيام العيد، يرتدي الرجال والنساء الزي المغربي التقليدي الشهير من قبيل “الجلباب” أو “الجبادور”، و”البلغة” (نعل تقليدي) بالصباح، ثم يتوجهون إلى مصلى العيدين بتازة العليا لأداء صلاة العيد، ويتبادل المصلون بعد الصلاة التحية والسلام وتبريكات العيد، قبل التوجه لنحر الاضحية التي تلقى عناية كبيرة من لدن افراد الاسرة خاصة الاطفال، لكونها مبعث فرح وسرور لهذه الفئة، وفي عادة أصبحت شبه مندثرة، يرجع عزيز بالذاكرة، إلى أنه خلال عملية الذبح تقوم ربة البيت بنثر القليل من الملح في المكان المخصص لهذه العملية ” لطرد العين حسب المعتقد السائد لدى العامة “. وبعد إتمام عملية الذبح تنطلق عملية سلخ الأضحية، التي تتطلب جهدا كبيرا من رب البيت أو الأخ الأكبر، إذ أن الساهر على هذه العملية يجب ألا يمزق فروة الكبش وألا يحدث بها ثقوبا، نظرا لأن هذه الفروة، بعد غسلها وتنظيفها ومعالجتها بالملح وتمديدها على الأرض وتعريضها للشمس وتمطيطها بأحجار خاصة ودلكها ب “الشب” والطحين، تصبح عبارة عن فراش جلدي.
ويضيف عزيز التوزاني، أن أول وجبة غالبا ما تكون قبيل الظهيرة، تكون عبارة عن حفل شواء يلتف من خلاله أفراد الأسرة على كبد الكبش الملفوف بالشحم (بولفاف)، وعند الانتهاء من الشواء، تنهمك النساء في إعداد طبق “التقلية”، وهي من أحشاء الخروف (الكرشة) و”الرئة” وقليل من الشحم، ويقدم هذا الطبق كعشاء يوم العيد.
اليوم الأول كذلك يتميز لدى الأسر التازية، ببقاء النساء بالبيت كعادة متوارثة، بينما يتفرق الرجال لتبادل الزيارات بين الأهل والأحباب، وجالسة الأصدقاء.
.
في ثاني أيام عيد الأضحى، تحرص الأسر التازية على “تبخير” رأس الأضحية وقوائمها مع الملح والكامون كوجبة فطور اليوم الثاني، ليشرع بعدها في تقطيع وتجزيئ الذبيحة والتي يحرص التازيون على أن تظل قطعة واحدة “سقيطة” معلقة في مكان “آمن” ومغطاة بقطعة من الثوب الأبيض للحفاظ عليها من التلوث.
وفي حدود الحادية عشر صباحا، يتم إعداد قضبان الشواء من اللحم. وفي وجبة العشاء، وتحضير الأطباق التي تميز غالبية الموائد التازية كأكلات معروف بها الطبخ التازي.
ومن بين الطقوس كذلك، احتفاظ بعض ربات البيوت بقطع من اللحم مع تشريحها وتمليحها باستعمال بهارات وتوابل معينة، ينضاف إليها الخل البلدي، ونشرها على حبل وتعريضها لأشعة الشمس من أجل تجفيفها بغية تحضير ما يسمى ب (القديد).
ويتميز عيد الأضحى بمدينة تازة أيضا بتبادل الزيارات بين الأصدقاء والأهل، وزيارة المقابر، وإحياء جلسات الذكر والمديح في ثالث يوم العيد خاصة.