صدر حديثا كتاب “الإله والمعنى في زمن الحداثة، الخطاب بين الهيمنة والتعدد” لمؤلفه الأكاديمي والباحث والسياسي التونسي رفيق عبد السلام، ويسعى فيه وزير الخارجية التونسي الأسبق للاجتهاد لتحرير الحداثة من سردياتها الكبرى لصالح قراءة أكثر انفتاحا.
ويرى المفكر التونسي أن الحداثة بدأت إجرائية، ويعتبر أن العالم العربي والإسلامي كان في المركز لا الأطراف، إذ كانت الدولة العثمانية في احتكاك مباشر مع أوروبا، وكانت بلدان مثل الشام ومصر وتونس في احتكاك مستمر أيضا.
ويعتبر المؤلف أن الحداثة بدأت أداتية وإجرائية تماما كآليات يمكن الاستفادة منها كما عبر عنها الإصلاحي خير الدين التونسي، أي كيف نقتبس الآليات التي تساعدنا على المناعة الذاتية، وعلى التحصن من التهديد الغربي.
ويقول في حواره مع الجزيرة نت “لما هزم المسلمون في مواجهة الحداثة الغربية، لم يهزموا في نقاش فلسفي، بل هزموا في الميدان بقوة جيوش الإنجليز والفرنسيين والبرتغاليين ثم الروس وغيرهم”، فكان السؤال الرئيسي داخل بيروقراطية السلطان وفي مختلف مواقع الدولة العثمانية لماذا انهزمت الجيوش العثمانية في مواجهة الجيوش الغربية؟ وكان الجواب على ذلك أن الجيوش الغربية أكثر قوة ونجاعة، وبالتالي الحل: كيف نستنسخ التحديث الإجرائي وآلية تنظيم الجيوش وتسليحها، ثم تنظيم الدولة وبيروقراطيتها، وهكذا انطلق المشروع التحديثي في حقبة التنظيمات العثمانية، ثم بعد ذلك انتقلنا للمرحلة الثانية عندما أصبح التحديث فكريا مضمونيا، خاصة بعد الثورة الفرنسية”.
ويؤكد المؤلف أن العرب والمسلمين هزموا بأدوات السياسة وآلياتها، ولا يمكن أن يتحقق النهوض إلا بمواجهة التحدي السياسي، وما دام العالم الإسلامي مفككا وخاصة قلبه العالم العربي، لا يمكن للعرب أن يخوضوا مغامرة الحداثة، وأن يشقوا مشروعهم في النهوض بدون مواجهة التحدي السياسي، وعلى رأسه ذلك قضية الانقسام والتجزئة والتدخلات الخارجية والهيمنة الأجنبية.
ويعتبر أنه لا مفر من مواجهة الهيمنة الأجنبية والضعف الذاتي بضرب من ضروب التكامل والوحدة، في عالم متعدد الأقطاب، يتجه إلى امتلاك مزيد من القوة وعناصر القوة والإخضاع، هذا هو التحدي كما يراه المؤلف، تحدٍ سياسي بدرجة أولى، فإلى الحوار:
-
كتابك الجديد يبدو انتقالا عما اعتاده قراؤك، فهو كتاب فلسفي، أليس كذلك؟
ليس انتقالا بكل معنى الكلمة، وقد ذكرت في فاتحة الكتاب أن موضوعا مركبا ومعقدا مثل الحداثة يحتاج لتخصصات متعددة ولذلك لم أتناول موضوع “الحداثة” من الزاوية الفلسفية المجردة عبر نصوص الفلاسفة والمفكرين الغربيين من القدامى والمحدثين، ولكن تناولت مداخل مركبة ومتداخلة من الزاوية التاريخية والزاوية الإستراتيجية وعلوم السياسة.
القسم الأول من الكتاب تناول سياقات نشأة الحداثة في العالم الإسلامي، من تجاربها الأولى، تجربة التنظيمات العثمانية وامتداداتها المختلفة في المراكز الأساسية بلاد الشام ومصر (عهد محمد علي) ثم تونس، ثم تناولت خطاب الحركة الإصلاحية باعتباره مرحلة متقدمة لاحقة لفترة التنظيمات والإصلاحات الإدارية، إذ انتقلنا حينها مما سميته “الحداثة الإجرائية” إلى “الحداثة الدينية والفكرية” إن جاز التعبير.
والقسم الثاني مخصص لنصوص فلسفية تناولت فيه الحداثة منذ ماكس فايبر والانعطافة التي أحدثتها فلسفة العدمية مع نيتشه وفي خطاب هابرماس وغيرهم، وتقريبا هو كتاب مركب ولكن فيه قسمين أو جزأين يتناول أولهما الحداثة في السياق العربي والإسلامي، والثاني يتناول الحداثة في السياق الغربي.
وهو استكمال لأطروحتي التي قدمتها في كتابي الأول عن موضوع العلمانية، وكنت عازما على استكمال هذا المشروع بالجزء الثاني حول الحداثة، ولكن انقطعت هذه المسيرة بسبب مشاغل السياسة التي نقلتني من عالم الفكر والكتابة والأكاديميا إلى تعقيدات السياسة وصخبها، وحاليا توفرت فرصة لأعود إلى أوراقي السابقة ثم أضفت إليها ونشرناها في هذا الكتاب.